الديكتاتورية |
الديكتاتورية عكس الديموقراطية :
والديكتاتورية في الاستعمال الحديث تشير إلى نظم الحكم التي تسمح لفرد أو منصب أو حزب أن يكون له من القوة والسلطة ما يجعله يسيطر سيطرة تامة على الدولة فيقرر منفرداً كل التحركات والقرارات السياسية ، وأن يفرض الطاعة على كل المواطنين ليقبلوا صاغرين كل ما يصدر عنه من تحركات وأفعال . ومن أمثلته النظام السوري ، الذي يجعل حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع ، ثم تخطى ذلك فجعل الوحدات الأمنية تقود الدولة والمجتمع والحزب ، ثم جعل الرئيس حافظ الاسـد يقود الجميع ، ولايراجعه لاحزب ولاوحدات أمنية ولا أحد ...
الأصل التاريخي :
أما الأصل التاريخي للمصطلح فيرجع إلى عصر الجمهورية الرومانية حيث جرى العرف على اختيار أحد القضاة في وقت الأزمات المدنية أو العسكرية ومنحه سلطات واسعة وغير محدودة طوال فترة الأزمة ،كما عهدنا في سوريا يسمى ( الحاكم العرفي ) ... فالديكتاتورية تاريخياً كانت منصباً ، ولكنها الآن تشير إما إلى شكل الحكم في النظام السياسي أو إلى أيديولوجية تتشكل بها طريقة الحياة لمجتمع ما .
ويرادف بعض علماء السياسة المعاصرين بين لفظ الديكتاتورية وألفاظ مثل : طغيان ، استبداد ، أوتوقراطية ، قيصرية ، تسلطية ، وشمولية ، ويعترض بعض المفكرين على الموازاة بين الديكتاتورية والاستبداد بالتحديد على أساس أن النظم الديكتاتورية تتخذ خطوات إيجابية في سبيل التمكين للقهر ، في حين أن النظم الاستبدادية تتبع أسلوباً سلبياً في قهرها للمحكومين ، فنظم الحكم الديكتاتورية تقوم أساساً على إصدار الأوامر التعسفية مطالبة المواطنين بوجوب طاعتها والالتزام بتنفيذها ، في حين أن السمة الأساسية للنظم الاستبدادية هي إقامتها للعراقيل في وجه الحريات السياسية .
السمات المميزة للنظم الديكتاتورية :
1- التحكمية في ممارسة السلطة وقصرها على أشخاص معينين أو فئة محددة وغياب أي توزيع للسلطة .
2- إلغاء كل المؤسسات أو الجمعيات السياسية والاجتماعية التي قد تلعب دوراً مؤثراً فتشكل منافساً لمن هم في السلطة.
3- تركيز كل القوى السياسية في يد فرد أو نخبة وإقامة جهاز حكم يكرس احتكار السلطة هذا .
4- إلغاء أو إهمال القاعدة التشريعية للسلطة السياسية فعادة ما يلغى الدستور في مثل هذه النظم ليحل محله بناء قانوني جديد يخدم الطبقة الحاكمة ويضحى أداتها الأساسية في الحكم ، ويرتبط بهذه السمة صعوبة ، إن لم يكن استحالة ، تنظيم عملية خلافة الديكتاتور القائم بصورة قانونية دستورية .
5- إلغاء الحريات المدنية أو تقييدها بدرجة كبيرة .
6- سيطرة الانفعالية والاندفاعية على عملية صنع القرار .
7- استخدام وسائل استبدادية لتحقيق التحكم السياسي والاجتماعي تبدأ من الدعاية وفرض واجب الطاعة إلى التخويف والاستخدام الفعلي لوسائل الإرهاب والقمع .
8- قتل المعارضين من الدرجة الأولى في مذابح جماعية ، كما فعل النظام الاسدي في مجزرة تدمر الأولى (1980) ، ومجزرة تدمر المستمرة التي دامت عقد الثمانينات كله وقتل فيها بضعة عشر ألفاً من خيرة أبناء الشعب السوري ، ومثل مجازر حماة ، وجسر الشغور وهنانو وغيرها كثير .
9- الاكثار من السجون ، وايداع الفئة الثانية من المعارضين في السجون . وقد أنفق النظام السوري على السجون ووحدات الأمن أضعاف ما أنفقه على التعليم العام والعالي ...
وهناك تصنيفات عدة للديكتاتورية أشهرها :
1- تصنيف شميت الذي يميز بين ديكتاتورية وقتية أو مشروطة والتي تتسم بتفويض الحاكم سلطات مطلقة في حالات الطوارئ كما سميناه الحاكم العرفي .
2- وديكتاتورية الحاكم وتهدف إلى إحداث تغيرات جذرية في كل أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية وسماها بعضهم ديكتاتورية العادل ، [ وهذا تناقض ] .
ولكن ينتقد البعض هذا التصنيف على أساس أنه لا يكون مثمراً عند تطبيقه على التنويعات المختلفة للنظم الديكتاتورية في الأحقاب التاريخية المتعاقبة والحضارات المتنوعة
3- تصنيف نيومان الذي يفرق بين ديكتاتورية بسيطة أو معتادة ويمارس فيها الحاكم تحكماً مطلقاً وسيطرة تامة على أدوات السلطة التقليدية في النظام .
4- والديكتاتورية القيصرية ويحتاج فيها الحاكم إلى مساندة قطاعات عريضة من الشعب حتى يحصل على السلطة أولاً وكذلك يحتاج إلى استمرار هذه المساندة وإلى القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة حتى يستطيع أن يدعم من سلطاته ثانياً .
وقد استخدم حافظ الأسد حزب البعث في البداية ، وصعد على سلم الحزب ، ثم رفسـه وحاربـه ، واستخدم سلم الطائفة العلوية ، حتى صعد عليها ، ثم رفسـها وحاربها ، واستخدم سلم الأسرة الأسدية ، وحصر السلطة أخيراً في أولاده من بعـده ...
5- والديكتاتورية الشمولية حيث يمارس الحاكم مهام الحكم بمساعدة جهاز سلطوي يسيطر عليه حزب واحد وحركة اجتماعية واسعة . ومن أمثلته النظام السوري الأسدي .
ديكتاتوريـة البروليتاريـا :
ويرى بعض المفكرين أن الديكتاتورية يكون مرغوباً فيها أحياناً وفي ظل ظروف معينة ، فنجد المفكر الثوري الفرنسي بلانكوي يتحدث عما أسماه بالديكتاتورية الثورية فيعني بها الانقلاب الذي تقوم به الصفوة ، وليس ثورة جموع الشعب ، ويصف انقلاب أو ثورة الصفوة هذا بأنه الوسيلة الوحيدة والمضمونة للقضاء على الرأسمالية وآثارها ، وهو يرى أن هذه الصفوة التي تقوم بالانقلاب لابد أن تمسك بنصاب الأمور في الدولة ، ولو مؤقتاً ، فتشكل نظام حكم نخبوي ديكتاتوري يرسم برنامجاً ثورياً يطرحه على الناس ويفرضه عليهم في حالة عدم رضائهم عنه وعدم رغبتهم في مساندته .
ولم يقتصر أثر البلانكوية على الأجيال المتتالية من الراديكاليين الفرنسيين ولكنه امتد أيضاً إلى ماركس الذي تعاطف مع لبّ الدعوة وإن كان قد رفض الاتجاهات النخبوية فيها وعدم إيلائها اهتماماً كافياً للطبقة العاملة .
ولكن بلانكوي نفسه أظهر في مرحلة متأخرة اهتماماً بإيجاد قاعدة من الطبقة العاملة لمفهومه الثوري ، وكان هذا الاهتمام هو الذي أوحى للماركسية بمفهوم [ ديكتاتورية البروليتاريا ]، ولقد أصبح هذا المفهوم شائعاً في الفكر الماركسي بعد ماركس ، وخاصة في كتابات لينين ، حيث أضحى له دلالة معينة هي إشارته إلى طبيعة السلطة في الدولة الشيوعية في الفترة الانتقالية من مرحلة الثورة إلى مرحلة المجتمع الشيوعي الحقيقي ، ويرى أنجلز أن البروليتاريا تمارس سلطات ديكتاتورية بغرض تحقيق التحكم في وسائل الإنتاج وعندما يحدث هذا تختفي البروليتاريا كطبقة وتختفي من ثم الديكتاتورية ، كما أن ماركس كان يؤمن أيضاً أن ديكتاتورية البروليتاريا هي وسيلة تساعد على تحقق غاية فناء الدولة وهو هدف الشيوعية الأسمى، ويستخدم هذا التحليل من الناحية العملية لإضفاء الشرعية على الأحزاب الشيوعية الحاكمة ولتبرير السلطات السياسية الواسعة التي تمارسها تلك الأحزاب بحجة أن الأحزاب الشيوعية الحاكمة إنما تحكم باسم البروليتاريا وان سلطاتها التحكمية هي وسيلة في سبل تحقيق هدف الحركة الشيوعية الأسمى .
والواقع أن الشرعية هي إحدى المشكلات المحورية في النظم الديكتاتورية ، ومعظم النظم الديكتاتورية تلجأ إلى البناء القانوني الذي خلفته ابتداء لتستمد منه شرعية وجودها وأساليب حكمها ، ثم هناك بعض النظم الديكتاتورية التي تلجأ إلى العادات والتقاليد والأعراف والقانون الطبيعي لتبرر وجودها وعندما تفشل تلجأ إما إلى العزف على وتر أن الممارسة التحكمية للسلطة هي وسيلة مشروعة في مرحلة بناء الدولة ، أو تلجأ إلى تكريس أيديولوجية ميتافيزيقية تبرر النظام الديكتاتوري القائم بوصفه جزءاً من نظام كوني محددة معالمه مسبقاً ومقضي قيامه في هذا الوقت وعلى هذا الشكل إما وفقاً لقواعد القضاء والقدر أحياناً أو وفقاً لنظرية النشوء والترقي أحياناً أخرى ، ويعد العامل الكاريزماتي [ القائد الفـذ ] أيضاً أحد أهم العوامل المستغلة في إكساب النظام الديكتاتوري قدراً من الشرعية خاصة في تلك النظم التي تحاول إقامة واجهة ديمقراطية برّاقة لها مثل النظم الشمولية .
الديكتاتورية المعاصرة [ ديكتاتورية تنموية ]:
ويهتم العديد من الباحثين السياسيين بدراسة ظاهرة الديكتاتورية في دول العالم الجديد التي نالت استقلالها حديثاً ، ويضع هؤلاء الباحثون أسباباً عديدة لهذه الظاهرة رغم اتباع معظم هذه الدول – ظاهرياً – لأشكال حكم ديمقراطية برلمانية ، ومن أهم الأسباب المذكورة في هذا الصدد هو أن الاتباع العملي لوسائل حكم ديكتاتورية هو ميراث فترة طويلة من الخضوع لاستعمار كان يمارس نفس أساليب الحكم السلطوية تلك ، ومن الأسباب المذكورة أيضاً أن الممارسة الديمقراطية الحقة لا يمكن قيامها إلا في دول تعرف طبقة وسطى عريضة مستقرة ومبادئ سياسية واجتماعية مستتبة وقنوات اتصال كفء تعمل في الاتجاهين أي بين الحاكمين والمحكومين والعكس ، وأن هذه المتطلبات غير متوافرة في معظم الدول الحديثة الاستقلال مما يجعل الأساليب الديمقراطية تبدو دخيلة ومستوردة وغريبة على البنيان الاجتماعي الموجود ، ثم هناك سبب آخر يطرحه هذا الفريق من الباحثين ان الطبقة المتعلمة في معظم تلك الدول تؤمن أن التطور الصناعي الجذري والسريع كإحدى وسائل تحقيق الرفاهية الاجتماعية لا يمكن أن يتم في ضوء الظروف المتاحة إلا عن طريق نظام حكم تسلطي ، ويخلص هؤلاء الباحثون إلى أن كل هذه الأسباب أو بعضها يؤدي إلى قيام هذه الدول بالأخذ بنظام الحزب الواحد المدعوم بمساندة المؤسسة العسكرية والهيكل البيروقراطي وحيث يكون على قمة هذا الهرم التسلطي زعيم كاريزماتي .
ويطلق الباحثون على هذه النظم اســــم " الديكتاتوريــة التنمويــــة " (Development Dictatirship ) .
مناقشـة :
وهذا التوجه السلطوي لا يتعامل بمنطق الصالح والأصلح والنافع والأنفع، وإنما بمنطق التهريج والتدجيل والتزمير والتطبيل ، الذي لا يجيده إلا فئة طفيلية درجت على الفساد وإهدار الكرامة وامتصاص الدماء، ولا يتعامل بمنطق الحجة والبينة وإنما بمنطق البندقية والمدفع ، ولهذا تجد التوجهات الفاعلة لا تجد لها مكاناً في الأمم المتخلفة لأنها محجوبة بكثير من السدود والقيود ومحاطة بجدران من التعتيم والتسفيه والتشويش ، ومسلسلة بقيود من الإرهاب والقهر ، ولهذا فهي لا ترى النور أو تستنشق نسيم الحياة الكريمة ، ولا يشفع لها عقل ناضج ، أو فكر مستنير أو عزيمة قوية أو تجربة ناضجة ، أو أمانة حافظة ولا تستطيع الأمة أن تختارهم أو تقدمهم أو ترشحهم أو تبرزهم .
والأمم المتخلفة يخترع لها سادتها نظاماً يناسب هذا التخلف ويواكب هذا الضياع يتخلص في القول الضال : اعصب عينيك وسر وأنت أعمى ، لأن العقل عندهم رذيلة ، والحرية جريمة ، والعبقرية ثورة ، العالم يتسابق في الإنتاج ويواصل التجويد والاختراع وهم عالة يتباهون بالاستملاك ويعيشون أحلام اليقظة .
الأمـم الناهضـة يعمها الرخاء والنماء ويخجلون ويعترفون إن وقعت منهم صغيرة ، وهم [ الديكتاتوريون ]غلاظ الأكباد عراض الأقفية لا يتجرون ولا يستحيون إذا جلبوا الكبائر والدواهي ورغم ذلك يوصفون بالعبقرية ، وينعون بالملهمين ، ويصب على رؤوسهم المديح صباً ، ويكال لهم الثناء كيلاً .
يرشحون بغير منافس ويفوزون بالتزكية ، ويظلون على قلبها جاثمين .
الأمم تحرص على تربية أبنائها وتعليمهم وتدريبهم لمواكبة عصورهم ومقارعة ومنازلة خصومهم في مجال التكنولوجيا والبحث العلمي وتسخر لذلك كل الوسائل الإعلامية والعلمية والتربوية ، وهؤلاء يحرصون على تهميشهم وإلهائهم ، وتدجينهم ، وملاحقتهم ، وتحطيمهم ، وتسخير كل الوسائل الإعلامية والثقافية لذلك ، القيادات في العالم المتحضر تنتقي من العبقريات الفكرية والاجتماعية والعسكرية قادة ، حتى تستطيع أن تحقق طموحات أممهم وتستطيع حمل المسؤولية وإدارة دفة البلاد بكفاءة وقوة وفاعلية .
والقيادة في العالم المتخلف لا تنتخب ولا تنتقى ولكن تفرض ، ولا تكون من العبقريات ، وإنما من الجلادين والأبالسة ، لتستطيع إحراق الأخضر واليابس ، وجمع الأموال بغير حق أو ضمير ونزع اللقمة من أفواه الجياع ، والتلهي بجراح المنكوبين ومصائبهم ، لك الله أيتها الشعوب المسكينة ، فلن ينفعك إلا سواعدك وعزماتك ، وأملك في الله وفي منهجه ، ويساعدك على ذلك يقظة للأمة على يد رواد كرام :
( صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) [الأحزاب/23] .
لينقشع الغبار وتزول الغُمة : (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) [الروم/4،5] .
خاتمـة :
ويشهد القرن الحادي والعشرين الميلادي ، تململ الشعوب ، وتحركها ضد الديكتاتورية ، فقد تخلصت رومانيا من ( تشاوشسكو ) ،الذي كانت زوجته نائبـه الأول في السلطة ، وولده نائبـه الثاني ... وتخلص العراق من (صدام ) ، وتخلصت تشيكوسلوفاكيا وسائر دول أوربا الشرقية من النظام الشيوعي [ الديكتاتاوري ] ...
كما ذاب الاتحاد السوفياتي وعبرت [ البروستوريكا ] عن إعادة البنـاء بلبنات ديموقراطية وغير ديكتاتورية ...
وفي العالم العربي صحـوة إسلامية ضـد الديكتاتورية ، تنادي بالديموقراطية للتخلص من الديكتاتورية ... وإن غداً لناظر ه قريب ...
والديكتاتورية في الاستعمال الحديث تشير إلى نظم الحكم التي تسمح لفرد أو منصب أو حزب أن يكون له من القوة والسلطة ما يجعله يسيطر سيطرة تامة على الدولة فيقرر منفرداً كل التحركات والقرارات السياسية ، وأن يفرض الطاعة على كل المواطنين ليقبلوا صاغرين كل ما يصدر عنه من تحركات وأفعال . ومن أمثلته النظام السوري ، الذي يجعل حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع ، ثم تخطى ذلك فجعل الوحدات الأمنية تقود الدولة والمجتمع والحزب ، ثم جعل الرئيس حافظ الاسـد يقود الجميع ، ولايراجعه لاحزب ولاوحدات أمنية ولا أحد ...
الأصل التاريخي :
أما الأصل التاريخي للمصطلح فيرجع إلى عصر الجمهورية الرومانية حيث جرى العرف على اختيار أحد القضاة في وقت الأزمات المدنية أو العسكرية ومنحه سلطات واسعة وغير محدودة طوال فترة الأزمة ،كما عهدنا في سوريا يسمى ( الحاكم العرفي ) ... فالديكتاتورية تاريخياً كانت منصباً ، ولكنها الآن تشير إما إلى شكل الحكم في النظام السياسي أو إلى أيديولوجية تتشكل بها طريقة الحياة لمجتمع ما .
ويرادف بعض علماء السياسة المعاصرين بين لفظ الديكتاتورية وألفاظ مثل : طغيان ، استبداد ، أوتوقراطية ، قيصرية ، تسلطية ، وشمولية ، ويعترض بعض المفكرين على الموازاة بين الديكتاتورية والاستبداد بالتحديد على أساس أن النظم الديكتاتورية تتخذ خطوات إيجابية في سبيل التمكين للقهر ، في حين أن النظم الاستبدادية تتبع أسلوباً سلبياً في قهرها للمحكومين ، فنظم الحكم الديكتاتورية تقوم أساساً على إصدار الأوامر التعسفية مطالبة المواطنين بوجوب طاعتها والالتزام بتنفيذها ، في حين أن السمة الأساسية للنظم الاستبدادية هي إقامتها للعراقيل في وجه الحريات السياسية .
السمات المميزة للنظم الديكتاتورية :
1- التحكمية في ممارسة السلطة وقصرها على أشخاص معينين أو فئة محددة وغياب أي توزيع للسلطة .
2- إلغاء كل المؤسسات أو الجمعيات السياسية والاجتماعية التي قد تلعب دوراً مؤثراً فتشكل منافساً لمن هم في السلطة.
3- تركيز كل القوى السياسية في يد فرد أو نخبة وإقامة جهاز حكم يكرس احتكار السلطة هذا .
4- إلغاء أو إهمال القاعدة التشريعية للسلطة السياسية فعادة ما يلغى الدستور في مثل هذه النظم ليحل محله بناء قانوني جديد يخدم الطبقة الحاكمة ويضحى أداتها الأساسية في الحكم ، ويرتبط بهذه السمة صعوبة ، إن لم يكن استحالة ، تنظيم عملية خلافة الديكتاتور القائم بصورة قانونية دستورية .
5- إلغاء الحريات المدنية أو تقييدها بدرجة كبيرة .
6- سيطرة الانفعالية والاندفاعية على عملية صنع القرار .
7- استخدام وسائل استبدادية لتحقيق التحكم السياسي والاجتماعي تبدأ من الدعاية وفرض واجب الطاعة إلى التخويف والاستخدام الفعلي لوسائل الإرهاب والقمع .
8- قتل المعارضين من الدرجة الأولى في مذابح جماعية ، كما فعل النظام الاسدي في مجزرة تدمر الأولى (1980) ، ومجزرة تدمر المستمرة التي دامت عقد الثمانينات كله وقتل فيها بضعة عشر ألفاً من خيرة أبناء الشعب السوري ، ومثل مجازر حماة ، وجسر الشغور وهنانو وغيرها كثير .
9- الاكثار من السجون ، وايداع الفئة الثانية من المعارضين في السجون . وقد أنفق النظام السوري على السجون ووحدات الأمن أضعاف ما أنفقه على التعليم العام والعالي ...
وهناك تصنيفات عدة للديكتاتورية أشهرها :
1- تصنيف شميت الذي يميز بين ديكتاتورية وقتية أو مشروطة والتي تتسم بتفويض الحاكم سلطات مطلقة في حالات الطوارئ كما سميناه الحاكم العرفي .
2- وديكتاتورية الحاكم وتهدف إلى إحداث تغيرات جذرية في كل أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية وسماها بعضهم ديكتاتورية العادل ، [ وهذا تناقض ] .
ولكن ينتقد البعض هذا التصنيف على أساس أنه لا يكون مثمراً عند تطبيقه على التنويعات المختلفة للنظم الديكتاتورية في الأحقاب التاريخية المتعاقبة والحضارات المتنوعة
3- تصنيف نيومان الذي يفرق بين ديكتاتورية بسيطة أو معتادة ويمارس فيها الحاكم تحكماً مطلقاً وسيطرة تامة على أدوات السلطة التقليدية في النظام .
4- والديكتاتورية القيصرية ويحتاج فيها الحاكم إلى مساندة قطاعات عريضة من الشعب حتى يحصل على السلطة أولاً وكذلك يحتاج إلى استمرار هذه المساندة وإلى القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة حتى يستطيع أن يدعم من سلطاته ثانياً .
وقد استخدم حافظ الأسد حزب البعث في البداية ، وصعد على سلم الحزب ، ثم رفسـه وحاربـه ، واستخدم سلم الطائفة العلوية ، حتى صعد عليها ، ثم رفسـها وحاربها ، واستخدم سلم الأسرة الأسدية ، وحصر السلطة أخيراً في أولاده من بعـده ...
5- والديكتاتورية الشمولية حيث يمارس الحاكم مهام الحكم بمساعدة جهاز سلطوي يسيطر عليه حزب واحد وحركة اجتماعية واسعة . ومن أمثلته النظام السوري الأسدي .
ديكتاتوريـة البروليتاريـا :
ويرى بعض المفكرين أن الديكتاتورية يكون مرغوباً فيها أحياناً وفي ظل ظروف معينة ، فنجد المفكر الثوري الفرنسي بلانكوي يتحدث عما أسماه بالديكتاتورية الثورية فيعني بها الانقلاب الذي تقوم به الصفوة ، وليس ثورة جموع الشعب ، ويصف انقلاب أو ثورة الصفوة هذا بأنه الوسيلة الوحيدة والمضمونة للقضاء على الرأسمالية وآثارها ، وهو يرى أن هذه الصفوة التي تقوم بالانقلاب لابد أن تمسك بنصاب الأمور في الدولة ، ولو مؤقتاً ، فتشكل نظام حكم نخبوي ديكتاتوري يرسم برنامجاً ثورياً يطرحه على الناس ويفرضه عليهم في حالة عدم رضائهم عنه وعدم رغبتهم في مساندته .
ولم يقتصر أثر البلانكوية على الأجيال المتتالية من الراديكاليين الفرنسيين ولكنه امتد أيضاً إلى ماركس الذي تعاطف مع لبّ الدعوة وإن كان قد رفض الاتجاهات النخبوية فيها وعدم إيلائها اهتماماً كافياً للطبقة العاملة .
ولكن بلانكوي نفسه أظهر في مرحلة متأخرة اهتماماً بإيجاد قاعدة من الطبقة العاملة لمفهومه الثوري ، وكان هذا الاهتمام هو الذي أوحى للماركسية بمفهوم [ ديكتاتورية البروليتاريا ]، ولقد أصبح هذا المفهوم شائعاً في الفكر الماركسي بعد ماركس ، وخاصة في كتابات لينين ، حيث أضحى له دلالة معينة هي إشارته إلى طبيعة السلطة في الدولة الشيوعية في الفترة الانتقالية من مرحلة الثورة إلى مرحلة المجتمع الشيوعي الحقيقي ، ويرى أنجلز أن البروليتاريا تمارس سلطات ديكتاتورية بغرض تحقيق التحكم في وسائل الإنتاج وعندما يحدث هذا تختفي البروليتاريا كطبقة وتختفي من ثم الديكتاتورية ، كما أن ماركس كان يؤمن أيضاً أن ديكتاتورية البروليتاريا هي وسيلة تساعد على تحقق غاية فناء الدولة وهو هدف الشيوعية الأسمى، ويستخدم هذا التحليل من الناحية العملية لإضفاء الشرعية على الأحزاب الشيوعية الحاكمة ولتبرير السلطات السياسية الواسعة التي تمارسها تلك الأحزاب بحجة أن الأحزاب الشيوعية الحاكمة إنما تحكم باسم البروليتاريا وان سلطاتها التحكمية هي وسيلة في سبل تحقيق هدف الحركة الشيوعية الأسمى .
والواقع أن الشرعية هي إحدى المشكلات المحورية في النظم الديكتاتورية ، ومعظم النظم الديكتاتورية تلجأ إلى البناء القانوني الذي خلفته ابتداء لتستمد منه شرعية وجودها وأساليب حكمها ، ثم هناك بعض النظم الديكتاتورية التي تلجأ إلى العادات والتقاليد والأعراف والقانون الطبيعي لتبرر وجودها وعندما تفشل تلجأ إما إلى العزف على وتر أن الممارسة التحكمية للسلطة هي وسيلة مشروعة في مرحلة بناء الدولة ، أو تلجأ إلى تكريس أيديولوجية ميتافيزيقية تبرر النظام الديكتاتوري القائم بوصفه جزءاً من نظام كوني محددة معالمه مسبقاً ومقضي قيامه في هذا الوقت وعلى هذا الشكل إما وفقاً لقواعد القضاء والقدر أحياناً أو وفقاً لنظرية النشوء والترقي أحياناً أخرى ، ويعد العامل الكاريزماتي [ القائد الفـذ ] أيضاً أحد أهم العوامل المستغلة في إكساب النظام الديكتاتوري قدراً من الشرعية خاصة في تلك النظم التي تحاول إقامة واجهة ديمقراطية برّاقة لها مثل النظم الشمولية .
الديكتاتورية المعاصرة [ ديكتاتورية تنموية ]:
ويهتم العديد من الباحثين السياسيين بدراسة ظاهرة الديكتاتورية في دول العالم الجديد التي نالت استقلالها حديثاً ، ويضع هؤلاء الباحثون أسباباً عديدة لهذه الظاهرة رغم اتباع معظم هذه الدول – ظاهرياً – لأشكال حكم ديمقراطية برلمانية ، ومن أهم الأسباب المذكورة في هذا الصدد هو أن الاتباع العملي لوسائل حكم ديكتاتورية هو ميراث فترة طويلة من الخضوع لاستعمار كان يمارس نفس أساليب الحكم السلطوية تلك ، ومن الأسباب المذكورة أيضاً أن الممارسة الديمقراطية الحقة لا يمكن قيامها إلا في دول تعرف طبقة وسطى عريضة مستقرة ومبادئ سياسية واجتماعية مستتبة وقنوات اتصال كفء تعمل في الاتجاهين أي بين الحاكمين والمحكومين والعكس ، وأن هذه المتطلبات غير متوافرة في معظم الدول الحديثة الاستقلال مما يجعل الأساليب الديمقراطية تبدو دخيلة ومستوردة وغريبة على البنيان الاجتماعي الموجود ، ثم هناك سبب آخر يطرحه هذا الفريق من الباحثين ان الطبقة المتعلمة في معظم تلك الدول تؤمن أن التطور الصناعي الجذري والسريع كإحدى وسائل تحقيق الرفاهية الاجتماعية لا يمكن أن يتم في ضوء الظروف المتاحة إلا عن طريق نظام حكم تسلطي ، ويخلص هؤلاء الباحثون إلى أن كل هذه الأسباب أو بعضها يؤدي إلى قيام هذه الدول بالأخذ بنظام الحزب الواحد المدعوم بمساندة المؤسسة العسكرية والهيكل البيروقراطي وحيث يكون على قمة هذا الهرم التسلطي زعيم كاريزماتي .
ويطلق الباحثون على هذه النظم اســــم " الديكتاتوريــة التنمويــــة " (Development Dictatirship ) .
مناقشـة :
وهذا التوجه السلطوي لا يتعامل بمنطق الصالح والأصلح والنافع والأنفع، وإنما بمنطق التهريج والتدجيل والتزمير والتطبيل ، الذي لا يجيده إلا فئة طفيلية درجت على الفساد وإهدار الكرامة وامتصاص الدماء، ولا يتعامل بمنطق الحجة والبينة وإنما بمنطق البندقية والمدفع ، ولهذا تجد التوجهات الفاعلة لا تجد لها مكاناً في الأمم المتخلفة لأنها محجوبة بكثير من السدود والقيود ومحاطة بجدران من التعتيم والتسفيه والتشويش ، ومسلسلة بقيود من الإرهاب والقهر ، ولهذا فهي لا ترى النور أو تستنشق نسيم الحياة الكريمة ، ولا يشفع لها عقل ناضج ، أو فكر مستنير أو عزيمة قوية أو تجربة ناضجة ، أو أمانة حافظة ولا تستطيع الأمة أن تختارهم أو تقدمهم أو ترشحهم أو تبرزهم .
والأمم المتخلفة يخترع لها سادتها نظاماً يناسب هذا التخلف ويواكب هذا الضياع يتخلص في القول الضال : اعصب عينيك وسر وأنت أعمى ، لأن العقل عندهم رذيلة ، والحرية جريمة ، والعبقرية ثورة ، العالم يتسابق في الإنتاج ويواصل التجويد والاختراع وهم عالة يتباهون بالاستملاك ويعيشون أحلام اليقظة .
الأمـم الناهضـة يعمها الرخاء والنماء ويخجلون ويعترفون إن وقعت منهم صغيرة ، وهم [ الديكتاتوريون ]غلاظ الأكباد عراض الأقفية لا يتجرون ولا يستحيون إذا جلبوا الكبائر والدواهي ورغم ذلك يوصفون بالعبقرية ، وينعون بالملهمين ، ويصب على رؤوسهم المديح صباً ، ويكال لهم الثناء كيلاً .
يرشحون بغير منافس ويفوزون بالتزكية ، ويظلون على قلبها جاثمين .
الأمم تحرص على تربية أبنائها وتعليمهم وتدريبهم لمواكبة عصورهم ومقارعة ومنازلة خصومهم في مجال التكنولوجيا والبحث العلمي وتسخر لذلك كل الوسائل الإعلامية والعلمية والتربوية ، وهؤلاء يحرصون على تهميشهم وإلهائهم ، وتدجينهم ، وملاحقتهم ، وتحطيمهم ، وتسخير كل الوسائل الإعلامية والثقافية لذلك ، القيادات في العالم المتحضر تنتقي من العبقريات الفكرية والاجتماعية والعسكرية قادة ، حتى تستطيع أن تحقق طموحات أممهم وتستطيع حمل المسؤولية وإدارة دفة البلاد بكفاءة وقوة وفاعلية .
والقيادة في العالم المتخلف لا تنتخب ولا تنتقى ولكن تفرض ، ولا تكون من العبقريات ، وإنما من الجلادين والأبالسة ، لتستطيع إحراق الأخضر واليابس ، وجمع الأموال بغير حق أو ضمير ونزع اللقمة من أفواه الجياع ، والتلهي بجراح المنكوبين ومصائبهم ، لك الله أيتها الشعوب المسكينة ، فلن ينفعك إلا سواعدك وعزماتك ، وأملك في الله وفي منهجه ، ويساعدك على ذلك يقظة للأمة على يد رواد كرام :
( صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) [الأحزاب/23] .
لينقشع الغبار وتزول الغُمة : (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) [الروم/4،5] .
خاتمـة :
ويشهد القرن الحادي والعشرين الميلادي ، تململ الشعوب ، وتحركها ضد الديكتاتورية ، فقد تخلصت رومانيا من ( تشاوشسكو ) ،الذي كانت زوجته نائبـه الأول في السلطة ، وولده نائبـه الثاني ... وتخلص العراق من (صدام ) ، وتخلصت تشيكوسلوفاكيا وسائر دول أوربا الشرقية من النظام الشيوعي [ الديكتاتاوري ] ...
كما ذاب الاتحاد السوفياتي وعبرت [ البروستوريكا ] عن إعادة البنـاء بلبنات ديموقراطية وغير ديكتاتورية ...
وفي العالم العربي صحـوة إسلامية ضـد الديكتاتورية ، تنادي بالديموقراطية للتخلص من الديكتاتورية ... وإن غداً لناظر ه قريب ...