الديموقراطية(*)
هذا الموجز الذي بين أيديكم ليس هو كل المطلوب منكم معرفته، ولكنه بمنزلة رؤوس الأقلام أو الخطوط العريضة التي يجب أن تقودكم إلى معرفة أوسع بهذه الاتجاهات الفكرية المعاصرة، فأنتم تتخرجون قريباً بإذن الله ومن المتوقع منكم أن تدركوا هذه النظريات السياسية وموقف الإسلام منها. وكذلك أنتم في سنّ التحصيل الآن فإذا فاتتكم الفرصة الآن فقد يصعب توفرها مستقبلاً حينما تنشغلون في الحياة العملية(والزوجة والأبناء مجهلة مبخلة مكسلة). كما لا بد أن تدركوا أن هذه أمانة تسألون عنها يوم القيامة كيف حصلتم على الشهادة وتوظفتم بها وكنتم لا تستحقونها.
تستخدم كلمة الديموقراطية بمعنيين متميزين ولكن بينهما علاقة ببعضهما فلها معنى سياسي محدد وآخر عام واجتماعي.
والكلمة في أصلها اليوناني مشتقة من كلمتين هما ديموس وكراتيس، وديموس معناها الشعب، وكراتيس معناها الحكم أو السلطة. وبهذا يكون معنى الديموقراطية هو شكل الحكومة التي تكون فيها القوة السياسية في يد المواطنين، وهنا يقصد بالديموقراطية تميزها عن الحكم الاستبدادي أو الفوضوي، بمعنى غياب الحكومة أو حكم كل فرد بنفسه.
ولفهم وجهة نظر الفلاسفة اليونانيين فمن الضروري أن نعرف شيئا عن التطبيق الفعلي للديموقراطية اليونانية. فثمة حقيقتان مهمتان: الأولى انتشار الرق الذي لم يكن مسموحاً به فحسب بل كان أساسياً للديموقراطية اليونانية. فقد كان عدد سكان أثينا يقدر بثلاثين ألفاً ويقوم بخدمتهم مئة ألف من الرقيق. والحقيقة الثانية اشتراك جميع المواطنين الأثينيين في الحكم، حيث كانت القوانين تسن في اجتماعات جماهيرية حاشدة، ويتم اختيار المسؤولين بالقرعة على أساس دوري، وحتى الأحكام القضائية يتم التوصل إليها بتصويت مباشر بعد محاكمة صورية. وهذا يعني أن ينفق كل مواطن أثيني وقتاً كبيراً في القضايا العامة.
وكان رأي بعض الفلاسفة أن لا يزيد عدد المواطنين على خمسة آلاف شخص، ولا يزيد حجم المدينة عن تلك التي يمكن أن يقطعها الإنسان مشياً على الأقدام من الصباح حتى المساء. ولما كانت هذه الصورة غير ممكنة دائماً فقد نادى بعض الفلاسفة بحكم طبقة من العقلاء والفضلاء .ورأى بعضهم أن الديموقراطية هي التي تسود فيها مصالح الطبقة الفقيرة على مصالح الطبقة الغنية.
ورغم النقد للممارسة الديموقراطية لكنهم رأوها طريقة حياة مبنية على مجتمع يتكون من مواطنين أحرار ومتساوين، إنه المجتمع الذي يعترف بقيمة كل فرد وأهميته وهو مجتمع لا يؤمن بأي امتيازات يحصل عليها الفرد من الولادة بسبب نسبه أو ثروته أو مكانته الاجتماعية.
خصائص النظام الديموقراطي الأساسية:
1- سيادة الشعب: ومعناها السلطة العليا التي لها حق التشريع وهي فوق الجميع والسلطات هي:
أ- التشريعية وعملها وضع الأحكام وتعديلها وإلغاؤها ومراقبة تنفيذها.
ب- السلطة التنفيذية: ومهمتها تنفيذ القانون أو الإرادة الشعبية.
ج- السلطة القضائية: ومهمتها القضاء فيما يعرض عليها وفقاً للأحكام والقوانين.
2- مبدأ الشرعية: ويعني سيادة القانون الذي يخضع له الجميع من حكام ومحكومين.
3- الحقوق والحريات العامة: ويمكن تقسيمها كما يرى الدكتور علي جريشة إلى قسمين:
أ- المساواة أمام القانون وأمام القضاء وأمام الوظائف والضرائب
ب- الحرية ويندرج تحتها الحرية الشخصية والحرية السياسية والحرية الاقتصادية.
ويمكن تفصيل هذه الحريات اكثر ولكننا نتوقف عند الحرية الشخصية التي يقسمها الدكتور علي جريشة الى ما يأتي:
-- حق الحياة، وحق التنقل، وحق الأمن، وحق عدم جواز الاسترقاق، حرمة السكن، سرية المراسلات .أما الحريات المعنوية فمنها حرية التفكير العلمي، وحرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الشكوى وأخيراً حرية التعليم.
ويقول الأستاذ محمد قطب:" لم يكن الأمر سهلاً مع ذلك ولا ميسراً للراغبين، فقد احتاج إلى صراع طويل ومرير حتى استوى على صورته الحالية، وكانت "المكاسب الديموقراطية" تأتي متقطعة ومتجزئة ولا تأتي إلاّ بعد معارضة طويلة من الذين بأيديهم السلطان ولا يرغبون في التنازل عنه، وبعد قيام الشعب بالإضراب والعصيان والتمرد، .تتعرض دعاة الحرية إلى السجن والاعتقال والتشريد بتهمة إثارة الشعب والتحريض على الإخلال بالنظام."
الديموقراطية في العصر الحديث
ظلت الديموقراطية كلمة لا تعني كثيراً في السياسة حتى الثورة الأمريكية (من وجهة نظر موسوعة جرويلر الأمريكية)، وظهرت ثلاث قوى يمكن أن يرجع إليها الفضل في ظهور الديموقراطية الحديثة وهي:
1- مثاليات عصر النهضة.
2- نظرية الكنيسة البروتستانتية وممارساتها.
3- نشأة الطبقة الوسطى وازدياد قوتها بسرعة (نتيجة الثورة الصناعية)
وبالرغم من أن النهضة والكنيسة لم تتسببا مباشرة في ظهور الديموقراطية لكنهما كانتا سببا في هدم النظام القديم، والتركيز على أهمية الفرد. ويرجع البعض ظهور الديموقراطية إلى بداية القرن السابع عشر.
من أقوال بعض مفكري الغرب في الديموقراطية
· يقول المفكر الأمريكي جون ملتون: " أعطني الحرية لأعرف، ولأتكلم وأناقش بحرية وفقا للضمير."
· ينسب لبعض مفكري الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية القول: " كل الرجال أحرار، ولهم حقوق لا يمكن التنازل عنها، ومن هذه الحقوق الحياة والحرية والسعي نحو السعادة."
من عيوب الديموقراطية في نظر أهلها
كتب المفكر الفرنسي الكسيس دي توكفيل كتاباً بعنوان الديموقراطية في أمريكا في مجلدين سنة 1850 م. ويعد هذا الكتاب أفضل تحليل للمجتمع الأمريكي والسياسة الأمريكية(موسوعة جرويلر)، وكذلك كتب باحث آخر هو جون ستيوارت ميل (1806-1873م)، وقد تخوف الاثنان من أن تصبح الديموقراطية كغيرها من الحكومات في الاستبداد وتدمير الحقوق الإنسانية والإبداع. وأشارا إلى أن مؤيدي هذا النظام لم يثبتوا بنجاح أن إنشاء النظم الديموقراطية سينهي كل التهديد للحرية، بل على العكس أحس الاثنان بأن هذه الأنظمة قد تتحول إلى استبداد الغالبية. وقد أشار ميل في مقالة له عن الحرية عام 1859م بأن الحكم الذاتي الذي يتحدث عنه الديموقراطيون لم يتضمن حكم كل فرد بنفسه بل الحكم على كل فرد من قبل بقية المجتمع أو الغالبية وفي هذه الحالة ما الذي يضمن حرية الفرد؟
ولقد قيل عن الديموقراطية "كانت حلم القرن الثامن عشر، وإنجاز القرن التاسع عشر ومشكلة القرن العشرين. ومن المشكلات التي نشأت الميل لتطوير الفساد في الآليات السياسية واستبداد الغالبية واللامبالاة الشعبية وسياسة جماعات الضغط، وعدم الاستقرار الحكومي. وقد هزت هذه المشكلات أولئك الأكثر تفاؤلاً من مؤيدي الديموقراطية.
وقد أورد الدكتور فوزي طايل في كتابه (ثقافتنا في ظل النظام الدولي الجديد) الى رأي عالم الاجتماع الايطالي روبرت ميشلز الذي يقول فيه:" إن الديموقراطية وهم وزيف، وأنها حكم القلة كأي نظام آخر. أما وهم المشاركة الشعبية فقد قدم الدكتور فوزي مثالاً على نسبة الناخبين الذين يستخدمون حقهم في الاقتراع وأنه مهما ارتفعت نسبة المشاركة الشعبية فلن يكون حظ أي رئيس أن يزيد عدد الذين يرتضون رئاسته تزيد على عشرين بالمئة من أفراد الشعب.
الديموقراطية في ميزان الإسلام
وقبل أن نزن الديموقراطية بميزان الإسلام لابد من كلمة عما يتردد من أن في الإسلام ديموقراطية جاءت امتداداً للديموقراطية العربية زاعمين أن العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا بدواً أحراراً لا يعرفون طغيان الملوك، ولا يخضعون لسطوة الحاكمين من الأكاسرة والقياصرة. ولكن الواقع التاريخي يؤكد عكس ذلك بأن العرب خضعوا لملوك طغاة مستبدين فمن ملوكهم الطغاة كليب بن وائل بن ربيعة الذي ضرب فيه المثل "أعز من كليب" والذي بلغ من عزه أو قل طغيانه وجبروته انه كان يحمي الكلأ، وكان يجير الصيد فلا يهاج.
ومن ملوك العرب أيضاً عمرو بن هند وله قصة طريفة وهي انه كان لا يرى في نساء العرب من يحق لها أن تأنف من خدمة أم الملك (أمه)وكان ما كان من قصة الشاعر عمرو بن كلثوم الذي قربّه إليه حتى كان من أقرب الناس إليه، ولكن لمّا علم أن للشاعر أمّا يحبها أراد أن تأتي وتخدم أمه. وقتل الشاعر الملك وقال فيه تلك القصيدة المشهورة التي من أبياتها:
بأي مشيئة عمرو بن هند نكون لخلفكم فينا قطينا
تهددنا وتوعدنا رويداً متى كنّا لأمك مقتوينا (خدماً)
وإذا كان الغرب يرى أن ديموقراطيته هي أفضل نظام ابتدعه البشر فإن الإسلام بأعظم نظام جاء من عند رب البشر. وما صرّح به الرئيس الأمريكي الحالي(بيل كلنتون) عن أن النظام الأمريكي هو أفضل نظام، ويجب على العالم أجمع أن يأخذ به، يجب أن نستطيع الرد عليه بما لدينا من تشريعات سماوية هادينا في ذلك قول الحق تبارك وتعالى{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}، فالشهادة لنا وليست لأمريكا أو غيرها، ولكن لما ضعف تمسكنا بالإسلام حُقَّ للرئيس الأمريكي أو غيره أن يقول ما يشاء.
يقول محمد شاكر الشريف في كتاب له بعنوان (حقيقة الديموقراطية) بأن هذا النظام يستحق أن نطلق عليه (حكم الطاغوت)، ومعنى ذلك أن يكون الأمر والنهي كله لغير الله سبحانه وتعالى، أو يكون بعض الأمر والنهي والتشريع لله والبعض الآخر لغير الله جل وعلا. ولذلك لا يستقيم إيمان عبد ولا يصح له إسلام حتى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله لأنهما ضدان لا يجتمعان أبداً .قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
أما تفصيل ذلك فكما يأتي:
أولاً : حرية الاعتقاد يحق للمواطن في ظل النظام الديموقراطي أن يؤمن بأي دين شاء، وله أن يغير دينه متى شاء، فليس في هذا النظام جريمة الردّة لأن العقيدة والإيمان مسألة شخصية بين العبد وربه.
ثانيا: في مجال الأخلاق: فما دام البشر هم المشرعون فقد انطلق الناس يمارسون ماشاؤوا من الرذائل والموبقات. وهاهي أمريكا في العصر الحاضر وغيرها من دول أوروبا تنتشر فيها أنواع الجرائم ويصبح للشواذ حقوقاً يحميها الدستور. بل إن هؤلاء الشواذ أصبحوا مميزين في عهد الرئيس الحالي لأنهم فيما يبدو قدموا له أصواتهم. وقد بلغ من الشواذ أن يكون لهم أحياء خاصة وكنائس ومتاجر وملاهي وغير ذلك. ومن القضايا المهمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004م قضية زواج المثليين(الإناث والذكور) وظهرت قضايا قانونية حول حقوق المتزوجين من الشاذين ومسائل الطلاق والنفقة وغير ذلك)
ثالثا:الاقتصاد: لقد عُبِدَت المادة من دون الله سبحانه وتعالى، فأصبح للأفراد الحرية المطلقة في نشاطهم الاقتصادي فأصبح الربا والاحتكار والغش والاستغلال أموراً مباحة.
ويرى الأستاذ محمد قطب أن الحكم والتشريع في النظم الديموقراطية قد انتقل من الشعب إلى الطبقة الرأسمالية التي تملك وتحكم، ولا معقب من البشر لحكمها، وإن كان التشريع -نظريا- من الحق الشعب، والتعقيب-نظريا- في يد الشعب. وأما الحرية في النقد ووسائل الإعلام فهذه يملكها أيضا الرأسماليون
هذا الموجز الذي بين أيديكم ليس هو كل المطلوب منكم معرفته، ولكنه بمنزلة رؤوس الأقلام أو الخطوط العريضة التي يجب أن تقودكم إلى معرفة أوسع بهذه الاتجاهات الفكرية المعاصرة، فأنتم تتخرجون قريباً بإذن الله ومن المتوقع منكم أن تدركوا هذه النظريات السياسية وموقف الإسلام منها. وكذلك أنتم في سنّ التحصيل الآن فإذا فاتتكم الفرصة الآن فقد يصعب توفرها مستقبلاً حينما تنشغلون في الحياة العملية(والزوجة والأبناء مجهلة مبخلة مكسلة). كما لا بد أن تدركوا أن هذه أمانة تسألون عنها يوم القيامة كيف حصلتم على الشهادة وتوظفتم بها وكنتم لا تستحقونها.
تستخدم كلمة الديموقراطية بمعنيين متميزين ولكن بينهما علاقة ببعضهما فلها معنى سياسي محدد وآخر عام واجتماعي.
والكلمة في أصلها اليوناني مشتقة من كلمتين هما ديموس وكراتيس، وديموس معناها الشعب، وكراتيس معناها الحكم أو السلطة. وبهذا يكون معنى الديموقراطية هو شكل الحكومة التي تكون فيها القوة السياسية في يد المواطنين، وهنا يقصد بالديموقراطية تميزها عن الحكم الاستبدادي أو الفوضوي، بمعنى غياب الحكومة أو حكم كل فرد بنفسه.
ولفهم وجهة نظر الفلاسفة اليونانيين فمن الضروري أن نعرف شيئا عن التطبيق الفعلي للديموقراطية اليونانية. فثمة حقيقتان مهمتان: الأولى انتشار الرق الذي لم يكن مسموحاً به فحسب بل كان أساسياً للديموقراطية اليونانية. فقد كان عدد سكان أثينا يقدر بثلاثين ألفاً ويقوم بخدمتهم مئة ألف من الرقيق. والحقيقة الثانية اشتراك جميع المواطنين الأثينيين في الحكم، حيث كانت القوانين تسن في اجتماعات جماهيرية حاشدة، ويتم اختيار المسؤولين بالقرعة على أساس دوري، وحتى الأحكام القضائية يتم التوصل إليها بتصويت مباشر بعد محاكمة صورية. وهذا يعني أن ينفق كل مواطن أثيني وقتاً كبيراً في القضايا العامة.
وكان رأي بعض الفلاسفة أن لا يزيد عدد المواطنين على خمسة آلاف شخص، ولا يزيد حجم المدينة عن تلك التي يمكن أن يقطعها الإنسان مشياً على الأقدام من الصباح حتى المساء. ولما كانت هذه الصورة غير ممكنة دائماً فقد نادى بعض الفلاسفة بحكم طبقة من العقلاء والفضلاء .ورأى بعضهم أن الديموقراطية هي التي تسود فيها مصالح الطبقة الفقيرة على مصالح الطبقة الغنية.
ورغم النقد للممارسة الديموقراطية لكنهم رأوها طريقة حياة مبنية على مجتمع يتكون من مواطنين أحرار ومتساوين، إنه المجتمع الذي يعترف بقيمة كل فرد وأهميته وهو مجتمع لا يؤمن بأي امتيازات يحصل عليها الفرد من الولادة بسبب نسبه أو ثروته أو مكانته الاجتماعية.
خصائص النظام الديموقراطي الأساسية:
1- سيادة الشعب: ومعناها السلطة العليا التي لها حق التشريع وهي فوق الجميع والسلطات هي:
أ- التشريعية وعملها وضع الأحكام وتعديلها وإلغاؤها ومراقبة تنفيذها.
ب- السلطة التنفيذية: ومهمتها تنفيذ القانون أو الإرادة الشعبية.
ج- السلطة القضائية: ومهمتها القضاء فيما يعرض عليها وفقاً للأحكام والقوانين.
2- مبدأ الشرعية: ويعني سيادة القانون الذي يخضع له الجميع من حكام ومحكومين.
3- الحقوق والحريات العامة: ويمكن تقسيمها كما يرى الدكتور علي جريشة إلى قسمين:
أ- المساواة أمام القانون وأمام القضاء وأمام الوظائف والضرائب
ب- الحرية ويندرج تحتها الحرية الشخصية والحرية السياسية والحرية الاقتصادية.
ويمكن تفصيل هذه الحريات اكثر ولكننا نتوقف عند الحرية الشخصية التي يقسمها الدكتور علي جريشة الى ما يأتي:
-- حق الحياة، وحق التنقل، وحق الأمن، وحق عدم جواز الاسترقاق، حرمة السكن، سرية المراسلات .أما الحريات المعنوية فمنها حرية التفكير العلمي، وحرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الشكوى وأخيراً حرية التعليم.
ويقول الأستاذ محمد قطب:" لم يكن الأمر سهلاً مع ذلك ولا ميسراً للراغبين، فقد احتاج إلى صراع طويل ومرير حتى استوى على صورته الحالية، وكانت "المكاسب الديموقراطية" تأتي متقطعة ومتجزئة ولا تأتي إلاّ بعد معارضة طويلة من الذين بأيديهم السلطان ولا يرغبون في التنازل عنه، وبعد قيام الشعب بالإضراب والعصيان والتمرد، .تتعرض دعاة الحرية إلى السجن والاعتقال والتشريد بتهمة إثارة الشعب والتحريض على الإخلال بالنظام."
الديموقراطية في العصر الحديث
ظلت الديموقراطية كلمة لا تعني كثيراً في السياسة حتى الثورة الأمريكية (من وجهة نظر موسوعة جرويلر الأمريكية)، وظهرت ثلاث قوى يمكن أن يرجع إليها الفضل في ظهور الديموقراطية الحديثة وهي:
1- مثاليات عصر النهضة.
2- نظرية الكنيسة البروتستانتية وممارساتها.
3- نشأة الطبقة الوسطى وازدياد قوتها بسرعة (نتيجة الثورة الصناعية)
وبالرغم من أن النهضة والكنيسة لم تتسببا مباشرة في ظهور الديموقراطية لكنهما كانتا سببا في هدم النظام القديم، والتركيز على أهمية الفرد. ويرجع البعض ظهور الديموقراطية إلى بداية القرن السابع عشر.
من أقوال بعض مفكري الغرب في الديموقراطية
· يقول المفكر الأمريكي جون ملتون: " أعطني الحرية لأعرف، ولأتكلم وأناقش بحرية وفقا للضمير."
· ينسب لبعض مفكري الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية القول: " كل الرجال أحرار، ولهم حقوق لا يمكن التنازل عنها، ومن هذه الحقوق الحياة والحرية والسعي نحو السعادة."
من عيوب الديموقراطية في نظر أهلها
كتب المفكر الفرنسي الكسيس دي توكفيل كتاباً بعنوان الديموقراطية في أمريكا في مجلدين سنة 1850 م. ويعد هذا الكتاب أفضل تحليل للمجتمع الأمريكي والسياسة الأمريكية(موسوعة جرويلر)، وكذلك كتب باحث آخر هو جون ستيوارت ميل (1806-1873م)، وقد تخوف الاثنان من أن تصبح الديموقراطية كغيرها من الحكومات في الاستبداد وتدمير الحقوق الإنسانية والإبداع. وأشارا إلى أن مؤيدي هذا النظام لم يثبتوا بنجاح أن إنشاء النظم الديموقراطية سينهي كل التهديد للحرية، بل على العكس أحس الاثنان بأن هذه الأنظمة قد تتحول إلى استبداد الغالبية. وقد أشار ميل في مقالة له عن الحرية عام 1859م بأن الحكم الذاتي الذي يتحدث عنه الديموقراطيون لم يتضمن حكم كل فرد بنفسه بل الحكم على كل فرد من قبل بقية المجتمع أو الغالبية وفي هذه الحالة ما الذي يضمن حرية الفرد؟
ولقد قيل عن الديموقراطية "كانت حلم القرن الثامن عشر، وإنجاز القرن التاسع عشر ومشكلة القرن العشرين. ومن المشكلات التي نشأت الميل لتطوير الفساد في الآليات السياسية واستبداد الغالبية واللامبالاة الشعبية وسياسة جماعات الضغط، وعدم الاستقرار الحكومي. وقد هزت هذه المشكلات أولئك الأكثر تفاؤلاً من مؤيدي الديموقراطية.
وقد أورد الدكتور فوزي طايل في كتابه (ثقافتنا في ظل النظام الدولي الجديد) الى رأي عالم الاجتماع الايطالي روبرت ميشلز الذي يقول فيه:" إن الديموقراطية وهم وزيف، وأنها حكم القلة كأي نظام آخر. أما وهم المشاركة الشعبية فقد قدم الدكتور فوزي مثالاً على نسبة الناخبين الذين يستخدمون حقهم في الاقتراع وأنه مهما ارتفعت نسبة المشاركة الشعبية فلن يكون حظ أي رئيس أن يزيد عدد الذين يرتضون رئاسته تزيد على عشرين بالمئة من أفراد الشعب.
الديموقراطية في ميزان الإسلام
وقبل أن نزن الديموقراطية بميزان الإسلام لابد من كلمة عما يتردد من أن في الإسلام ديموقراطية جاءت امتداداً للديموقراطية العربية زاعمين أن العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا بدواً أحراراً لا يعرفون طغيان الملوك، ولا يخضعون لسطوة الحاكمين من الأكاسرة والقياصرة. ولكن الواقع التاريخي يؤكد عكس ذلك بأن العرب خضعوا لملوك طغاة مستبدين فمن ملوكهم الطغاة كليب بن وائل بن ربيعة الذي ضرب فيه المثل "أعز من كليب" والذي بلغ من عزه أو قل طغيانه وجبروته انه كان يحمي الكلأ، وكان يجير الصيد فلا يهاج.
ومن ملوك العرب أيضاً عمرو بن هند وله قصة طريفة وهي انه كان لا يرى في نساء العرب من يحق لها أن تأنف من خدمة أم الملك (أمه)وكان ما كان من قصة الشاعر عمرو بن كلثوم الذي قربّه إليه حتى كان من أقرب الناس إليه، ولكن لمّا علم أن للشاعر أمّا يحبها أراد أن تأتي وتخدم أمه. وقتل الشاعر الملك وقال فيه تلك القصيدة المشهورة التي من أبياتها:
بأي مشيئة عمرو بن هند نكون لخلفكم فينا قطينا
تهددنا وتوعدنا رويداً متى كنّا لأمك مقتوينا (خدماً)
وإذا كان الغرب يرى أن ديموقراطيته هي أفضل نظام ابتدعه البشر فإن الإسلام بأعظم نظام جاء من عند رب البشر. وما صرّح به الرئيس الأمريكي الحالي(بيل كلنتون) عن أن النظام الأمريكي هو أفضل نظام، ويجب على العالم أجمع أن يأخذ به، يجب أن نستطيع الرد عليه بما لدينا من تشريعات سماوية هادينا في ذلك قول الحق تبارك وتعالى{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}، فالشهادة لنا وليست لأمريكا أو غيرها، ولكن لما ضعف تمسكنا بالإسلام حُقَّ للرئيس الأمريكي أو غيره أن يقول ما يشاء.
يقول محمد شاكر الشريف في كتاب له بعنوان (حقيقة الديموقراطية) بأن هذا النظام يستحق أن نطلق عليه (حكم الطاغوت)، ومعنى ذلك أن يكون الأمر والنهي كله لغير الله سبحانه وتعالى، أو يكون بعض الأمر والنهي والتشريع لله والبعض الآخر لغير الله جل وعلا. ولذلك لا يستقيم إيمان عبد ولا يصح له إسلام حتى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله لأنهما ضدان لا يجتمعان أبداً .قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
أما تفصيل ذلك فكما يأتي:
أولاً : حرية الاعتقاد يحق للمواطن في ظل النظام الديموقراطي أن يؤمن بأي دين شاء، وله أن يغير دينه متى شاء، فليس في هذا النظام جريمة الردّة لأن العقيدة والإيمان مسألة شخصية بين العبد وربه.
ثانيا: في مجال الأخلاق: فما دام البشر هم المشرعون فقد انطلق الناس يمارسون ماشاؤوا من الرذائل والموبقات. وهاهي أمريكا في العصر الحاضر وغيرها من دول أوروبا تنتشر فيها أنواع الجرائم ويصبح للشواذ حقوقاً يحميها الدستور. بل إن هؤلاء الشواذ أصبحوا مميزين في عهد الرئيس الحالي لأنهم فيما يبدو قدموا له أصواتهم. وقد بلغ من الشواذ أن يكون لهم أحياء خاصة وكنائس ومتاجر وملاهي وغير ذلك. ومن القضايا المهمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004م قضية زواج المثليين(الإناث والذكور) وظهرت قضايا قانونية حول حقوق المتزوجين من الشاذين ومسائل الطلاق والنفقة وغير ذلك)
ثالثا:الاقتصاد: لقد عُبِدَت المادة من دون الله سبحانه وتعالى، فأصبح للأفراد الحرية المطلقة في نشاطهم الاقتصادي فأصبح الربا والاحتكار والغش والاستغلال أموراً مباحة.
ويرى الأستاذ محمد قطب أن الحكم والتشريع في النظم الديموقراطية قد انتقل من الشعب إلى الطبقة الرأسمالية التي تملك وتحكم، ولا معقب من البشر لحكمها، وإن كان التشريع -نظريا- من الحق الشعب، والتعقيب-نظريا- في يد الشعب. وأما الحرية في النقد ووسائل الإعلام فهذه يملكها أيضا الرأسماليون